السعوديون يقبلون عليه لمزاياه الطبية .. والمغاربة يشربونه في أكواب كبيرة
|
خليلي ما بالقلب من ألم الجوى يداوى برشف من «أتاي» منعنع أو قول شاعر آخر:
أواه من «أتاي» تباهى في «نعانعه» بين الأوانس و«الكيسان» والأنس وفي العاصمة نواكشوط لا تستغرب إن رأيت في أحد الطرقات من يتحلق حول شخص شعر بحاجة لتناول الشاي فأخرج عدته وشرع في تحضيره، أما في المحال التجارية، فقبل البيع أو الشراء لابد من صاحب المحل أو «البوتيك» من تقديم كأس ساخن لزبونه، ومن ثم التفاوض على البيع والشراء، وليس هناك عجب في عدم وجود مقاه بالمفهوم الحديث لبيع وتناول الشاي الأخضر مثل دول المشرق العربي أو في المغرب، حيث يوجد في المقاهي ويتم تقديمه خفيفا وفي أكواب كبيرة.
وتعد الطقوس التي تصاحب تناول الشاي الأخضر إحدى السمات التي تميز شعوب بعض دول المغرب العربي خاصة موريتانيا التي يعد شعبها من أكثر الدول استهلاكا وعشقا للشاي الأخضر، وتقدر تكلفة استهلاكه سنويا هناك بأكثر من 300 مليون دولار، ويردهم من موطنه الأصلي (الصين) أو من وكلاء بيعه في السعودية على عدة أنواع، فهناك الدرجة الأولى والتي تسمى «الورقة المعلومة» والثانية، والتي لها عشاق ايضا، ثم درجات أخرى، بيد أن أحطها نوعا يسمى «الخمرارية» وهذه لا يجرؤ مضيف تقديمها لضيفه.
وقد ارتبط الشاي الأخضر في موريتانيا بمناسبات اجتماعية مثل الزواج، فعلى سبيل المثال لا بد للعريس أن يحضر مع المهر وباقي الأغراض لأهل عروسه صندوقا من الشاي الأخضر من فئة الدرجة الأولى، وفي المقابل على أهل العروس أن يكرموا عريسهم وأهله بعد إتمام الفرح، وذلك بإهدائهم «طوابل» الشاي الأخضر بعد تغليفها وتنسيقها والتي تحتوي على كامل العدة، وذلك حسب عدد أخوته وشقيقاته وأقاربه من أخوال وأعمام، وتقدر قيمة الصينية أو «الطابلة» وما تحتويه من أدوات ما بين 150 ـ 300 دولارا.
وفي المملكة العربية السعودية، حيث توجد جالية كبيرة من الموريتانيين، تقدر أعدادهم بنحو 25 ألف نسمة، ومن بينهم مواطنون ذوو أصول موريتانية يجمعهم عشق الشاي الذي لا تختلف طريقة تحضيره أو «تعداله» كما يقولون من أسرة لأخرى، حيث جميعهم يحتفظ في بيته أو مجلس ضيوفه بعُدة الشاي، بل حتى أن الكثير منهم يحتفظ بعدته الكاملة في صندوق سيارته، أو حتى مكان عمله لتحضير «أتايه» في أية لحظة. ويرتبط تحضير الشاي الأخضر بمفهوم الكرم عند الفرد الموريتاني، فهو المقدم قبل كل شيء، فما أن يهل المرء ضيفا على إحدى العائلات أو (الخيام) كما يطلق عليها باللهجة الحسانية، حتى تسارع ربة المنزل أو زوجها لإكرام الضيف، وإحضار عدة الشاي «أُماعين» والتي تتكون من صينية من الإستيل الفرنسي وتسمى «طابلة» وعليها كؤوس صغيرة تقارب حجمها وسعتها فناجين القهوة العربية والكأس يسمى (طعش)، وإبريق صغير «براد» وآخر كبير لتسخين الماء «مغرج» وحافظات صغيرة تحتوي على الشاي الأخضر والسكر والنعناع، إضافة الى ماعون صغير لغسل الشاي وتنظيف «الكيسان» خلال جولات الشاي الثلاث، مع الاحتفاظ بفوطة صغيرة لتجفيف الصينية والأكواب الصغيرة حتى تكون طوال فترة الاعداد التي قد تستغرق من نصف ساعة وحتى ساعتين جافة ونظيفة.
أما طريقة إعداده فتحتاج إلى يد خبيرة وحس مرهف، فبعد اختيار ثلث كأس صغير من الشاي والتي يتم وضعها في البراد الصغير يصب الماء الساخن ويرج جيدا لتنقيته من الشوائب والمواد الحافظة، وبعد أن تتم العملية تصب الخلاصة في الماعون الصغير أو في كأس وتسمى هذه المرحلة «تشليل» بعدها يصب الماء الساخن مرة أخرى ووضعه على نار هادئة في موقد غازي صغير أو موقد للفحم يسمى «فرنة» ويترك لدرجة تقارب الغليان، ثم يبدأ في عملية صنع رغوة في كافة الفناجين الصغيرة، وذلك برفع البراد عاليا وصب الشاي داخل الكؤوس حتى تتم العملية، ثم إعادته للنار مرة أخرى لتسخينه فقط، بعدها يضاف النعناع (النوع المغربي فقط) والسكر، ثم صبه في الأكواب الصغيرة حتى المنتصف، وتقديمه في صينية صغيرة تسمى «سرفاية» وتسمى هذه العملية «الكأس الأول» ثم تعاد نفس العملية للكأس «الوسطاني» ثم الثالث (التالي) وقد يربع أو تطول العملية وتسمى (الجر)، ولا بد من الذي يقوم بإعداده تحضيره ويطلق عليه اسم (قيّام) أن يتذوق «أتاي» قبل تقديمه للضيوف، حيث يصب قليلا منه في كأسه ثم يرتشفه ليختبر نكهته ومذاقه، وتسمى هذه الحالة (روزة) بتفخيم الراء . وبما أن الشاي له فلسفة في إعداده وشربه، كذلك له محظوراته التي قد تكون سببا لإعراض الضيف عن تناوله، مثل تقليبه بملعقة، أو إضافة مواد أخرى له عدا النعناع والسكر، أو ملء الكأس حتى آخره، كذلك تقديمه في أكواب كبيرة.
كما توجد محظورات أخرى تمنع تناوله، مثل أكل التمور بكافة أنواعها قبل تناوله بقليل، أو شربه على معدة خاوية، أو شرب أنواع أخرى من الشاي مثل الأحمر أو القهوة بكافة ألوانها وأطيافها.
كذلك يعد الشاي الأخضر من المواد الجاذبة للروائح، لذا يحرص الجميع على إبعاده عن أماكن التوابل والبهارات، والعطور، وكافة أنواع الروائح النفاذة، ويسمى في حال تشبع الشاي بالرائحة والطعم الغريب بـ «الشيب».
ولا يتناول الموريتانيون الشاي الأخضر لغرض الكيف وحسب، بل وللتداوي، فما ان يشعر احدهم بالصداع إلا ويسارع إلى عدته ليحضر كأسا سريعا، أو شعر برمد في عينه، جعل عصارته كمادات وغير ذلك.
أما في السعودية فقد بدأ الاتجاه إلى تناوله، خاصة بعد وجبة العشاء، وإن كان لا يعد على الطريقة الموريتانية، ويعود ذلك إلى سماعهم بفوائده الجمة. وقد أثبتت دراسات طبية أن للشاي الأخضر مزايا طبية عدة، منها مساعدته في عملية حرق الدهون، ومنع الأكسدة الطبيعية، وزيادته لطاقة الجسم، كما أثبتت بعض الدراسات أنه يساعد في تخفيض نسبة السكر في الدم، كما أظهرت أنه يمنع تشكيل الجلطات القلبية، ويزيد من مستويات الكولسترول النافع، ويخفض من ضغط الدم، ويساعد على الوقاية من التسمم الغذائي، ويمنع روائح الفم، كما يدخل في صناعة بعض مستحضرات التجميل، وفي الولايات المتحدة الأميركية تم تطوير كريمات للوقاية من سرطان الجلد من الشاي الأخضر.